فصل: مصالحة الرسول أهل فدك ‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


بقية أمر خيبر

 عقوبة كنانة بن الربيع ‏:‏

وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة ‏:‏ أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ‏؟‏

قال ‏:‏ نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ‏.‏

فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال ‏:‏ عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة ‏.‏

 مصالحة الرسول أهل خيبر ‏:‏

وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل ‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها ‏:‏ الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين ‏.‏

فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل ‏.‏

وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا ‏:‏ نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها ‏.‏

فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏

 أمر الشاة المسمومة ‏:‏

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏

فقيل لها ‏:‏ الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها ‏.‏

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال ‏:‏ إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال ‏:‏ ما حملك على ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت ‏:‏ إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال ‏:‏ فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده ‏:‏ يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر ‏.‏

قال ‏:‏ فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة ‏.‏

 رجوع الرسول إلى المدينة ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة ‏.‏

 مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال ‏:‏ فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ جذام ، أخو لخم ‏.‏

قال ‏:‏ فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا ‏:‏ هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر ‏.‏

قال ‏:‏ فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يقد لك مثلهما من النار ‏.‏

 ابن مغفل وجراب شحم أصابه ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال ‏:‏ أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي ‏.‏

قال ‏:‏ فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال ‏:‏ هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا والله لا أعطيكه ؛ قال ‏:‏ فجعل يجاذبني الجراب ‏.‏

قال ‏:‏ فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك ‏.‏ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم ‏:‏ لا أبا لك ، خل بينه وبينه ‏.‏ قال ‏:‏ فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه ‏.‏

 بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك ‏.‏

فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال ‏:‏ ما لك يا أبا أيوب ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ‏.‏

 تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال ‏:‏ لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال ‏:‏ من آخر الليل ‏:‏ من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ‏؟‏ قال بلال ‏:‏ أنا يا رسول الله أحفظه عليك ‏.‏

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي ‏.‏ ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال ‏:‏ ماذا صنعت بنا يا بلال ‏؟‏

قال ‏:‏ يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال ‏:‏ صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال ‏:‏ إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول ‏:‏ ‏(‏ أقم الصلاة لذكري ‏)

 شعر لابن القيم في فتح خيبر ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر ، فقال ابن لقيم العبسي في خيبر ‏:‏

رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار

واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار

صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار

جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح في الأسحار

ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد أشهل أو بني النجار

ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار

ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار

فرت يهود يوم ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب ‏:‏

قال ابن هشام ‏:‏فرت ‏:‏ كشفت ، كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها ؛ يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار ، يريد الأنصار ‏.‏

 شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت ‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن ‏:‏ يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال ‏:‏ على بركة الله ‏.‏

قالت ‏:‏ فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله ‏.‏ قالت ‏:‏ فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها ‏.‏

قالت ‏:‏ فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال ‏:‏ ما لك ‏؟‏ لعلك نفست ؛ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ؛ قال ‏:‏ فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك ‏.‏

قالت ‏:‏ فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً ‏.‏

قالت ‏:‏ فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها ‏.‏ قالت ‏:‏ وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت ‏.‏

 شهداء خيبر من بني أمية ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح ‏.‏

 من بني أسد ‏:‏

ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏:‏ عبدالله الهبيب ، ويقال ‏:‏ ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم ‏.‏

 من الأنصار ‏:‏

ومن الأنصار ثم من بني سلمة ‏:‏ بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وفضيل بن النعمان ‏.‏ رجلان ‏.‏

 من زريق ‏:‏

ومن بني زريق ‏:‏ مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق ‏.‏

 من الأوس ‏:‏

ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل ‏:‏ محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة ‏.‏

 من بني عمرو ‏:‏

ومن بني عمرو بن عوف ‏:‏ أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة ؛ وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة ‏.‏

 من غفار ‏:‏

ومن بني غفار ‏:‏ عمارة بن عقبة ، رمي بسهم ‏.‏

 من أسلم ‏:‏

ومن أسلم ‏:‏ عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ الأسود الراعي من أهل خيبر ‏.‏

 من بني زهرة ‏:‏

ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة ‏:‏ مسعود بن ربيعة ، حليف لهم من القارة ‏.‏

 من الأنصار ‏:‏

ومن الأنصار بني عمرو بن عوف ‏:‏ أوس بن قتادة ‏.‏

 أمر الأسود الراعي في حديث خيبر

 إسلامه واستشهاده ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود ‏.‏

فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ‏؟‏ قال ‏:‏ اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال -

فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال ‏:‏ ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ‏.‏

فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ‏؟‏ قال ‏:‏ إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له ‏:‏ أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان ‏:‏ ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك ‏.‏

 أمر الحجاج بن علاط السلمي

 حيلته في جمع ماله من مكة ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال ‏:‏ إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال ‏:‏ قل ‏.‏

قال الحجاج ‏:‏ فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا ‏:‏ الحجاج بن علاط - قال ‏:‏ ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ‏.‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال ‏:‏ فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون ‏:‏ إيه يا حجاج ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا ‏:‏ لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم ‏.‏

قال ‏:‏ فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا ‏:‏ قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم ‏.‏

قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ من فيء محمد ‏.‏

 العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ قال ‏:‏ فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به ‏.‏ قال ‏:‏ وجئت صاحبتي فقلت ‏:‏ مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر ، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار ‏.‏

قال ‏:‏ فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال ‏:‏ يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به ‏؟‏

قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ ‏.‏ قال ‏:‏ حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت ‏:‏ احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال ‏:‏ افعل ‏.‏

قلت ‏:‏ فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني ‏:‏ صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال ‏:‏ ما تقول يا حجاج ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب

قال ‏:‏ حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا ‏:‏ يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال ‏:‏ كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا ‏:‏ من جاءك بهذا الخبر ‏؟‏

قال ‏:‏ الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا ‏:‏ يا لعباد الله ‏!‏ انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال ‏:‏ ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك ‏.‏

 شعر حسان في يوم خيبر ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت ‏:‏

بئسما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل

كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل

أمن الموت يهبوا فإن الموت * موت الهزال غير جميل

 شعر حسان في عذر أيمن لتخلفه عن خيبر ‏:‏

وقال حسان بن ثابت أيضاً ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، كان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه ‏:‏

على حين أن قالت لأيمن أمه * جبنت ولم تشهد فوارس خيبر

وأيمن لم يجبن ولكن مهره * أضر به شرب المديد المخمر

ولولا الذي قد كان من شان مهره * لقاتل فيهم فارسا غير أعسر

ولكنه قد صده فعل مهره * وما كان منه عنده غير أيسر

قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك ، وأنشدني ‏:‏

ولكنه قد صده شأن مهره وما * وما كان لولا ذاكم بمقصر

 شعر ناجية في يوم خيبر

قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ناجية بن جندب الأسلمي ‏:‏

يا لعباد الله فيم يرغب * ما هو إلا مأكل ومشرب

وجنة فيها نعيم معجب *

وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضاً ‏:‏

أنا لمن أنكرني ابن جندب * يا رب قرن في مكري أنكب

طاح بمغدي أنسر وثعلب *

قال ابن هشام ‏:‏ وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله ‏:‏ في مكرى ، وطاح بمغدي ‏.‏

 شعر كعب بن مالك في يوم خيبر ‏:‏

وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري ‏:‏

ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مذود

جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد

عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند

يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد

يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد

وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد

يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك الفوز والعز في غد

 ذكرمقاسم خيبر وأموالها

 الشق ونطاة والكتيبة ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم ‏.‏

 عدة من قسمت عليهم خيبر ‏:‏

وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم ؛ فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين ‏.‏

 قسمة الأسهم على أربابها ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس ‏.‏

فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة ‏.‏

ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ‏.‏

ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي ‏.‏

ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى ‏.‏

ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق ‏.‏

وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ‏.‏

ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً ‏.‏

ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق ‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

 عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم ‏:‏

ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر ‏:‏ قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ، ولأم رميثة خمسة أوسق ‏.‏

شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب ‏.‏

 ما أوصى به الرسول عند موته ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال ‏:‏ لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر ‏.‏

وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان ‏.‏

أمرفدك في خبر خيبر

 مصالحة الرسول أهل فدك ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏

 تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر

 نسبهم ‏:‏

وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام ‏:‏ تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ عزة بن مالك ‏:‏ وأخوه مران بن مالك ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ مروان بن مالك ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ‏.‏

 خرص ابن رواحة على أهل خيبر ‏:‏

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا ‏:‏ تعديت علينا ، قال ‏:‏ إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود ‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض ‏.‏

وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة ‏.‏

 مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله ‏:‏

فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال ‏:‏ أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها ‏.‏

قال ‏:‏ فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الكبر الكبر ‏.‏

قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال ‏:‏ أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ‏؟‏

قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال ‏:‏ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة ‏.‏

قال سهل ‏:‏ فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم ‏:‏ وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له ‏:‏ والله ما هكذا كان الشأن ‏!‏ ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به ‏.‏

ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار ‏:‏ أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه ، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏

قال بن إسحاق ‏:‏ وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه ‏:‏ دوه أو ائذنوا بحرب ‏.‏ فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏

 إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر ‏:‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وسألت ابن شهاب الزهري ‏:‏ كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك ‏.‏

فأخبرني ابن شهاب ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ‏.‏

فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها ‏.‏

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته ‏.‏

ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ في وجعه الذي قبضه الله فيه ‏:‏ لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال ‏:‏ إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ‏.‏

قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال ‏:‏ خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال ‏:‏ فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي ‏.‏

فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني ‏:‏ من صنع هذا بك ‏؟‏ فقلت ‏:‏ لا أدري ، قال ‏:‏ فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال ‏:‏ هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال ‏:‏ أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم ‏.‏